معرض جديد للأديب التَّشكيلي السُّوري صبري يوسف في ستوكهولم: الفرح الحب السّلام

صبري يوسف ــ ستوكهولم
يفتتح الأديب التَّشكيلي صبري يوسف معرضه الجَّديد في غاليري "ستورستوغان" في ستوكهولم يوم السَّبت 15. 2. 2014، السَّاعة الثَّانية عشرة بمناسبة عيد الحب، حيث أصبح لديه تقليداً سنويَّاً للإحتفال بهذا العيد بمعرضٍ جديد، تأكيداً منه على أهمِّيّة التَّركيز على الفرح والحبِّ والسَّلام، ومَحْق كلّ أسباب الحروب والقتل والدّمار، الَّتي بدأت تستفحل في العالم الشَّرقي وتعشِّش في الكثير من بقاع الدُّنيا، وإن دلَّ هذا النُّزوع من قبل بعض سياسيي هذا الزَّمان، إنَّما يدلُّ على فشل بعض السِّياسات في قيادة البشر إلى بوَّابات الأمان والسَّلام والحبّ والفرح، وفشلت بالتَّالي في تحقيق الوئام بين البشر، وانجرفت تيَّارات من هنا وهناك نحو إراقة المزيد من الدِّماء، وكأنَّ هدف الإنسان من الحياة هو قتل البشر وحرقهم وتدميرهم عن بكرةِ أبيهم. 

يرسم صبري يوسف الوردة بعدّة أشكال، كأنّها مستنبتة من أمواج البحر ومن حنين الكلمة المتعطّشة لشجون القصيدة، يرسم الطَّير منبعثاً من يراع المحبّة، يرسم الغيمة معبّقة بصفاء الماء الزَّلال، يرسم البحر معانقاً عطش اليابسة، يرسم الفرح فوق وجنة السَّماء ووجنة عاشقة، يرسم أحلامه المتطايرة من مآقي الطُّفولة، يستمدُّ موشور لونه من هديل اليمام، من زخَّات المطر، من اشراقة الشَّمس، تتهاطل رموزه في تشكيلاته اللَّونيّة كأنّها قصائد منبعثة من شهوة الحلم العميق، يرسم نصّه التَّشكيلي عبر اللَّون، حيث قاده هذا العناق اللَّوني إلى إصدار ديوان شعر بعنوان: مائة لوحة ومائة قصيدة، عن طريق دار نشره في ستوكهولم عام 2012. 

تولد عنده اللَّوحة من فضاءات روحه الجَّانحة نحو السَّلام، فهو يرى أنَّ لا ضرورة للحياة ما لم تكن مرتكزة على قيم الخير والمحبّة والفضيلة والعدالة والحبِّ والفرح والسَّلام، ويعتبرُ أنَّ كلّ مَن يطرح طرحاً يؤدّي إلى الصِّراع والحرب والعنف والعنف المضاد، مجرَّد إنسان ناقص ومريض وعقيم ويحتاج إلى معالجة أكثر من أيِّ إنسان مريض، لأنَّ أمراض النُّزوع نحو القتل والخراب والدَّمار أكثر خطراً من أيِّ مرضٍ عضال، فهو مرضٌ في مخِّ ومخيخ الإنسان، مرضٌ متفشٍ في دم بعض البشر، لهذا يتوجّب على السِّياسات الحضاريّة الوقوف عند هذا الأمر ووضعه على المحكِّ الكوني ومعالجته معالجة سديدة ودقيقة ومنطقيّة، لا أن ترشرش البنزين على النَّار، ثمَّ تطرح نفسها راعية السَّلام وراعية سياسات هذا الزَّمان وهي أبعد ما تكون عن السَّلام وعن السِّياسة بمفهومها الإنساني الخلاق! 
بدأت السِّياسات الكونيّة تنحدر نحو القاع، نحو الهلاك، نحو شفير الجَّحيم، هكذا تبدو لي على أيّة حال! سياسات لا همّ لها سوى مشاهدة دماء فقراء هذا العالم تزداد هدراً، وكأنّها تحضر حفلات تنكريّة أو تشاهد فيلما طريفاً، فلا يرمش لها جفن وهي تشاهد ملايين البشر يموتون ويتشرَّدون ويذهبون في مليون داهية، وهي تناقش وتحلّل كيفية حلّ الأزمة أو المشكلة "الفلانيّة" وتخطِّط لحلحلة المشكلة "العلانيّة"، وكلّ ما أراه على السَّاحة، ما هو سوى تفريخ سياسات دمويّة من صناعة عالميّة بإمتياز، لأنَّ هذه الصِّناعة تبدأ وتنتهي كما يشاء بعض سياسات هذا الزَّمن الأحمق، سياسات مصابة بتورُّم في الجَّشاعة والشَّراهة، وجلّ تركيزها يتمحور حول ما تجنيها من فوائد وعائدات وأرباح من هذه الحروب، وكأنَّ البشر الَّذين يتمُّ ذبحهم هم في مهبِّ تجاربهم المفخّخة بشراهة مفتوحة لإراقةِ الدِّماء. ولهذا أجدني لا أرى سوى قرفاً على السَّاحة الكونيّة في كيفية حلِّ مشاكل وحروب الكثير من دول العالم، والطَّريف بالأمر أنَّ الجَّميع لهم حصّة في هذا الجُّنون، فإلى متى سيظلُّ المجتمع البشري أسير بعض سياسات وقباحات وتطلُّعات بعض ديناصورات وتجَّار الحروب وتجَّار النَّار والقار؟! لهذا السَّبب ولألف سببٍ وسبب وجدتُ من الأجدى أن يركّز البشر على زرع حبور المحبّة والفرح والسَّلام فوق جبين الطُّفولة والأمومة وفوق وجنة الحياة، كي يعيش الإنسان هذه السُّنوات القليلة من عمره في أمان، بعيداً عن ترّهات وحقارات وسقاطات ما نراه، حيث نجد أنَّ الجّميع ضدَّ الجَّميع، حتَّى أنّني أرى أنَّ الإنسان يخطِّط لقتل ذاته ودمار ذاته بذاته، فإلى متى سنرى بأمِّ عيوننا كلّ هذا الجُّنون ونتفرَّج وكأنَّنا في حفلة سيرك أو في حفلة سمر من أجل رفع الدَّخل القومي لهذه الدَّولة أو تلك القارة، مع أنَّ هناك أقوام يتم سحقهم عن بكرة أبيهم ولا حياة لمن تنادي!

أرسم لوحتي، بكلِّ متعةٍ وفرحٍ وسلامٍ وشوقٍ لمعانقةِ البشر، لتقديم بسمة للمشاهد، للتعبير عن ذاتي الجَّانحة نحو غدٍ مشرق، جنباً إلى جنب مع نصّي الشِّعري ومتواصلاً بكلِّ شغفٍ مع دعاة السَّلام والحبِّ والفرح في أرجاء المعمورة، فقد أسسَّتُ دوريّة سنويّة في بداية 2013 "مجلَّة السَّلام"، وأصدرتها ككتاب عبر الشَّبكة العنكبوتيّة في نهاية كانون الأوَّل (ديسمبر) 2013 ضمن برنامج "بي دي اف"، لرفد مخطَّطي في بناء إنسان مسالم ومحب للخير والعدالة والمساواة، بعيداً عن لغة القتل والجُّنون، فما فائدة عقلنا لو لم نستخدمه في حلِّ مشاكلنا، مهما كانت هذه المشاكل؟! ولو لم يستخدم المرء عقله في حلِّ مشاكله، فأنا أعتبره فاقد العقل وبالتَّالي يحتاج لمَن يعالجه من أمراضه السَّقيمة! 

الشَّعب يريد الفرح والحبّ والسَّلام! ومتعطِّش جدّاً لهذه العوالم البهيجة، وقد وصل إلى مرحلة ما بعد القرف من التُّرَّهات والحروب المجنونة الَّتي دمَّرت الأخضر واليابس، ويريد بكلِّ قوَّة أن يمحق الحروب والصِّراعات الدَّائرة على وجه الدُّنيا، كي يرتاح وينام بين أحضان عائلته وحيّه ومدينته ووطنه في وئام وسلام وحب، بعيداً عن خلخلة جماجم البشر بدون أي وازع ضمير! 
لوحتي هي رسالة محبّة لكلِّ دعاة السَّلام في العالم، أقدِّمهاهديّة لأطفال العالم ولكلِّ مَنْ يطرح طرحاً يصبُّ في الهدف الَّذي أسعى إليه، ولكلِّ من يضع السِّلاح جانباً ويرفع لواء الكلمة والحوار الخلاق، الَّذي يقودنا إلى إحقاق الحقِّ للجميع ولصالح الجَّميع وعلى كافّة الأصعدة، لا أن نترك الأمور تسير على عواهنها ونتفرَّج بسلبيّة مميتة، وينحاز واحد من هنا وآخر من هناك نحو ممارسة أساليب وطرق شرّيرة ومدمِّرة للوصول إلى أهداف تافهة وعقيمة وأقل ما يمكن أن نقول عنها، أنّها أهداف باطلة، طالما تخلخل البلاد على رقاب العباد، وتقود الأوطان إلى جحورِ الجَّحيم!

يتضمّن معرضي الجَّديد 20 لوحة تشكيليّة، رسمتُ أغلبها في عام 2014 وقسم منها في العام 2013 وأعوام سابقة، رسمت بعضها بأسلوب تجريدي، وبعضها الآخر بأسلوب ترميزي، مع توشيحات سورياليّة وتجريديّة في الوقت ذاته، لأنَّ اللَّوحة عندي تنبعث من حالات حلميّة، أشبه ما تكون بتدفُّقات شعريّة، تنمو اللَّوحة كما تنمو القصيدة، فأضيف إليها أفكاري وتطلُّعاتي وآمالي وتوقي العميق إلى الحرّيّة والفرح والحبِّ والسَّلام في وطني الأم سوريّة وفي بلاد العالم. 

أرسم بغزارة حالما تتقمَّصني شهيّة الرَّسم، يجذبني اللَّون، فأداعبه كمَن يداعب ببهجة عميقة، عاشقة معبّقة بشذى النَّرجس البرِّي، أجدني مقمّطاً بهمهمات بوح الألوان، تهمسُ لي الألوان، كأنّها على دراية بأنّها ظلَّتْ غافية طويلاً في بحبوحة الحلم، وتريد أن تفرش حفاوتها فوق وجنة اللَّوحات، فأستجيب إليها كأنّها بلسم الحياة، فجأةً أراني متوجِّهاً نحو حاسوبي، أكتب بغزارة وشهيّة مفتوحة، تاركاً نسيم اللَّيل يعانق هفهفات ألواني.  تمنحني الكتابة ويمنحني الرَّسم متعة منعشة إلى أقصى درجات الانتعاش، متعة لا تُضاهى. وعندما أشعر بنوعٍ من الإرتواء من الرَّسم، ألجأ بكلِّ عفويّة إلى الكتابة، أحياناً أراني أترجم ما لم ألتقطه عبر الرَّسم، أدوّنه عبر يراعي، وأحياناً أخرى أجسّد في نصَّي ما توارى عنِّي أثناء الكتابة عبر اللَّون، وهكذا أعبر رحابَ الإبداع وهواجس الحرف واللَّون، دونما أيِّ رقيب أو حسيب، أترجّم ما خزَّنته الذَّاكرة، وما لململه الحلم وما تخمّر في تجاعيد العقل بطريقةٍ طازجة، كأنّي في رحلة حنينيّة بهيجة نحو أزقّتي البعيدة، الَّتي ترعرتُ فيها، لأقدِّم حرفي ولوني لتلك الأزقّة ولكلِّ الأحبّة هناك، وللأصدقاء والصَّديقات والأهل الَّذين تبعثروا على وجه الدُّنيا كحبّات القمح، لعلّي أتعانقُ من خلال حرفي ولوني مع حنين الإنسان إلى أخيه الإنسان في هذا الكون البديع، المخضّب باستمراريّة إخضرارِ مذاقِ الإبداع!

صبري يوسف
أديب وفنّان تشكيلي سوري مقيم في ستوكهولم
sabriyousef1@hotmail.com

CONVERSATION

0 comments:

إرسال تعليق