الفنان والناقد التشكيلي والشاعر أديب مخزوم : أنتمي، ومنذ طفولتي، الى لبنان الحضارة


الفنان العالمي المغترب الراحل عمر حمدي - مالفا: أديب مخزوم واحد من أهم من يكتب بالعربية

 اعداد: كوليت إسكندر سركيس- سيدني ـ مجلة منوعات

وهب أديب مخزوم للآخرين، أهم سنوات عمره، محققاً بذلك مقولة " فلوبير" ليس أمام الكاتب سوى سبيل واحد أن يضحي بكل شيء من أجل الفن ، فهو من النقاد القلائل الذين عملوا، منذ منتصف ثمانينات القرن العشرين، على رصد تيارات الفن ومعارضه، في مقالاته ودراساته وبحوثه النقدية والتحليلية المنشورة في الصحف والمجلات والدوريات العربية ( بالا خص السورية واللبنانية، وأخيراً في مجلة الحياة التشكيلية المتخصصة بالفنون الجميلة ، وفي مجلة دبي الثقافية) وبذلك ساهم في المحافظة على الذاكرة الفنية، خلال مرحلة أعادت إلى دمشق وهجها الثقافي ويمكن وصفها بأنها مختبر للفن التشكيلي العربي في المرحلة الراهنة.
ومنذ طفولته الأولى خاض أديب مخزوم (من مواليد طرطوس عام 1962) غمار تجربة طويلة في الرسم، رغم أنه وجد نفسه في واقع ، لم يتقبل أن يكون فناناً. هكذا كانت مشاعر الإحساس بجمالية اللوحة الفنية التشكيلية، تدفعه وباستمرار نحو اختبار قدراته في الرسم والتلوين، حيث أنجز مئات اللوحات الكبيرة ،وتدرج في صياغاتها من الرسم الواقعي، إلى أقصى حالات التجريد اللوني الانفعالي مروراً بكل الاتجاهات الفنية المعروفة. 
قال عنه الفنان الكبير الراحل فاتح المدرس: "عرفت الباحث أديب مخزوم منذ سنوات ، وقرأت له، وفهمت أنه يقف على مرتفع يستطيع مراقبة مسارات الفنانين من حيث التميز الجمالي ، ويساعد على رسم بوابات الولوج الى القرن الواحد والعشرين في هدوء وروية ، دون السماح لنفسه بأي شاردة عاطفية تستطيع السماح للوهم أن يتدخل في القيم العلمية لفاعلية الفن في حياة الشعوب وحضاراتها" . 
وكتب عنه الفنان الكبير الراحل عمر حمدي – مالفا قائلاً : "أديب مخزوم .. الأسم .. الوهلة الأولى .. المفاجأة .. الأسم الذي شدني ثانية بالعودة الى مفردات الكتابة بالعربية .. باتجاه الوطن .. الاسم الذي دهشتني ملامحه النقدية ، من خصوصية وعوالم معقدة ، وجديدة في القراءة .. والايحاء .. من إنسان طالما أعجبت دائماً به .. بأنه واحد من أهم من يكتب بالعربية ، متميز، ومتفهم، كفنان ، لما هو معاصر ي اللغة التشكيلية المعقدة .. ناقد يتمتع بقراءة واسعة وجديدة للسطح ، وخلف السطح .. سطح اللوحة 
".. أما الفنان والناقد التشكيلي أسعد عرابي فكتب عنه العبارات التالية  : "عرفت أديب مخزوم ناقداً مجتهداً مخلصاً ومتابعاً لوقائع التشكيل السوري، أميناً في رصد الأحداث والمعارض الفنية عبر الصحافة، متواضعاً وبسيطاً دون تعقيد أو تنظير ،ولعل أبرز خصائصه هو أنه تعددي غير متعصب لاتجاه أو اسم دون آخر .
وأضاف عرابي: "ولاشك بأن كتابه الموسوعي«تيارات الحداثة في التشكيل السوري» من المؤلفات النقدية التي تسدّ ثغرة كبيرة في مكتبتنا التوثيقية، هي التي تكاد تكون مقفرة، خاصة من مثاله الذي يعتني بالمنهج التوثيقي، بما يخص المعاصرة في المحترف التشكيلي السوري، ومشهده النهضوي ، لذلك فقد اعتمد نظام تواتر تواريخ الميلاد أو تعاقب الأجيال الفنية، من الرواد وحتى استشراف شباب ما بعد الحداثة منذ التسعينات. " .
وكتب عنه الفنان التشكيلي عبد المنان شما استاذ الدراسات العليا بكلية الفنون الجميلة في دمشق، وعميدها السابق قائلاً: " كانت المفاجأة حين اطلعت لأول مرة على كتاباته حول بعض أعمالي الفنيةخلال عام 1996 وتلتها كتاباته عن بعض الزملاء الفنانين. وقد امتزجت هذه المفاجأة بالدهشة، لأني لا أعرفه ولا يعرفني، إلاّ من خلال بعض أعمالي الفنية التي تسنى له رؤيتها، فقد استطاع بحسه السليم الصادق وببصيرته الشفافة، أن ينفذ إلى أغوار أناس لم يعرفهم أو يتعرف عليهم من قبل، ولكنه اطلع على أعمالهم واكتشفهم من خلال جهوده الشخصية، والمتمثلة بتتبعه وتفحصه لأعمالهم الفنية والتي مكنته من الدخول إلى عوالم أصحابها.
وهو بذلك، على النقيض، من بعض النقاد، الذين لا يكتبون إلا لمن يصيبهم منهم نصيب، فيمتدحون فلاناً ويذمون آخر، أو يهملونه، لا لشيء إلا لخدمة أغراض دنيئة، وتحقيق مكاسب وأهداف أنانية ضيقة.
لذلك شعرت من واجبي أن أسجل بحق أديب مخزوم هذه الكلمات بصدق وأمانة لأنه يستحقها فعلاً وقد تبادر إلى ذهني السؤال التالي: هل يمكن اعتبار مخزوم مجرد مشاهد عادي، تذوق عملي الفني لمجرد مشاهدته له، لأسباب شخصية بحتة، أم أنه ناقد ومتلقي من نوع خاص؟
والإجابة تكمن، في رأيي، أن أديب مخزوم يمتلك القدرة الثقافية الذهنية والروحية والأخلاقية النفاذة، التي تساعده في فهم العمل الفني، والولوج إلى عقل وقلب الفنان الذي يقف وراء هذا العمل، بشكل منطقي وسليم، وكأنه يشارك الفنان فكره ووجدانه، فهذه أيضاً موهبة من نوع خاص، لا تقل أحياناً عن موهبة الفنان ذاته، لأنها أيضاً، تعبير صادق عن مشاهداته الحياتية الميدانية اليومية الحسية وتخيلاته الذهنية، وكما أعتقد، فهو لا يعاني من صعوبة الوصول إلى العوالم الداخلية للفنان، لأن الذي يحدث عنده أسهل من ذلك بكثير، وكما أتصوّر فهو بكل بساطة، بحسه وحدسه الصادقين، يسترسل استرسال الفنان الأصيل ذاته، فيجد نفسه فجأة، وقد أخذته الدهشة ذاتها التي أصابت الفنان من قبل، وهو يرى موضوعه لأول مرة مثلاً، ثم وهو يترجم رؤيته لموضوعه بمحبة خالصة وصادقة، معبراً عن ذلك كله بالكلمات، تماماً كما حصل مع الفنان من قبل عندما عبّر بالخطوط والأشكال والألوان، بحس صادق مفعم بالتأثر العاطفي الخلاق.
وهكذا اكتشف أديب مخزوم عالمي الفكري والفني والروحي والوجداني، وحتى موقفي الأخلاقي حيال المواضيع التي أتناولها في المدينة، أو في الريف، أو في البادية، وفي كل مكان أرسم وأصور فيه، من ربوع بلادي الطيبة، وكأنه كان معي في لحظات الإبداع الجميلة، يشاركني نشوتي البصرية والحسية والوجدانية، وفي الرؤية والتنفيذ والهدف.
وبالإضافة إلى ذلك، فإننا نستشف من كتاباته، أنه يتمتع بثقافة فنية، وبذوق بيئوي ومحلي خاص، فمن دواعي فخره واعتزازه، أنه ذواقة لطبيعة بلاده ونكهة بيئته ومجتمعه، جغرافياً وثقافياً ولكل مفردات هذه البيئة وهذا المجتمع، وهذا ما جعلني أجله وأحترمه بكل صدق وإخلاص، كما أجلني واحترمني ـ هكذا لله ـ كما يقولون ومن دون أن يعرفني أو أعرفه ـ كما ذكرت سابقاً.
بقي أن أقول، أن أديب مخزوم ليس فقط صاحب قلم موضوعي حر، وليس ذواقة للعمل الفني من نوع خاص، وليس وليس، بل إنه بالإضافة إلى ذلك كله، على دراية بكل ما يجري على الساحة التشكيلية والفنية، فهو متيقظ أيضاً لبعض مظاهر الدجل، والتي تبرز عند البعض بالتمسك بمفردات وجمل طنانة، كالحداثة، والعالمية، والكونية، في الفكر وفي الثقافة والفن، كما في الاقتصاد والسياسة والمجتمع، وما ينتج عن ذلك، ومن لجوء البعض، كما يقول مخزوم في كتاباته: «إلى الإغراءات التقنية التي ساهمت بشهرتهم الزائفة، دون أن تتوفر لديهم الموهبة، وان الأزمة الفنية عندنا ليست فقط أزمة ثقافة تكمن في عدم وجود جمهور للفن التشكيلي، ولكن هي بالدرجة الأولى، أزمة استمرارية هذا التدجيل وهذه الفوضى واعتمادها كطريقة لتسريب الأعمال الهامشية إلى البيناليات الدولية، ولإيصال بعض الأسماء والتجارب المتواضعة إلى واجهة الصدارة في الفنون التي تطرح نفسها كأعمال طليعية».
من هنا ندرك أن أديب مخزوم ليس مطلعاً على تفاصيل ومجريات حركة الفنون التشكيلية العربية السورية المعاصرة فحسب، وإنما متفهم للأسباب والخفايا، يصارح نفسه والآخرين بما يدور.
وفي النهاية، فإن أديب مخزوم ـ كما أراه الآن ـ ناقد فني يحترم نفسه، صادق فيما يرى ويحس، لأنه من خلال تفحصاته ومشاهداته يستطيع الدخول إلى عالم الفنان، يشاركه فكره وحسه ووجدانه، حيال المواضيع التي يرسمها ويصورها.
مما تقدم له منّا كل المحبة والاحترام والتقدير... ومن خلال شخصه النبيل وشفافيته، أتوجه بالتحيّة الخالصة والصادقة، لكل مواطن شريف وأصيل ولكل صاحب قلم، إيجابي بناء، في بلدي، وفي العالم من مشاهدي ومحبي أعمالي الفنية الأعزاء " .

CONVERSATION

0 comments:

إرسال تعليق