السقيلبية تكرِّم غيثها





كتب مفيد نبزو – محردة –
إن مهمة الفنان تكمن في خاصية متفردة ، وانعكاس ذاتي يبلور الإبداع بعد تفاعل حميم بين الذات والموضوع ، وانسجام وصدق التحام بالواقع سرعان ما يتحول فيه الواقع إلى آثار فنية آسرة لامستها ريشة الإرهاف بحساسية الفن ورؤى الخيال ، فانصهرت في مختبر التجربة الفنية التي عملت على صياغتها الموهبة الفذة والمعرفة الواعية ثم الانخطاف إلى المدهش المتفرد حين يرصد البيئة والطبيعة ومعاناة الإنسان في كينونته ، وذلك كله من خلال شرارات الفن التي تشعل وتشتعل فتخلق جماليات اللوحة باللون ورهافة الذوق ، والارتقاء بأجنحة الشمس مؤتمنة على رسالة التاريخ للتاريخ والإبداع للإبداع .
هوذا غيث العبدالله ابن عروس الغاب السوري .. ابن مدينة السقيلبية البار المولود عام  1961  م  ، والذي تخرج من معهد إعداد المدرسين – قسم التربية الفنية بحلب ، ومن ثم درس في كلية الفنون الجميلة / قسم الحفر / جامعة دمشق عام 1981 م ، وهو عضو في نقابة الفنون الجميلة ، وعضو في نادي التصوير الضوئي ، وعضو اتحاد الصفيين في سوريا ، وقد أقام العديد من المعارض الفردية ،وشارك في العديد من المعارض الجماعية داخل سوريا وخارجها ، ومنها مشاركته في المعارض التأسيسية  الثلاثة الأولى تحت عنوان (( التوثيق ذاكرة وطن )) الذي دعا إليها مركز المعلومات القومي في سوريا ، وفاز بجائزة الوثائق الرسمية عن مشاركته في المعرض الأول عام 1977 م ، ونال العديد من الجوائز وشهادات التقدير ، ومارس الكتابة الصحفية والنقد الفني ورسم الموتيف في العديد من الصحف والمجلات المحلية والعربية كما نشر العديد من الصور الضوئية .
يصل الفنان غيث العبدالله ليله بنهاره ، فهو يعمل منذ الثمانينات وحتى اليوم على جمع وأرشفة التاريخ الشفوي لمدينته السقيلبية ، ويوثق يومياتها بالكلمة المدونة واللوحة والصورة الضوئية والمرئية ، وقدم في هذا المضمار عدة معارض ومحاضرات هامة منها محاضرته القيمة الشاملة عن جبران خليل جبران ومتحف جبران في بشري – لبنان – مع عرض سلايدات – لترفق الكلمة والمعلومة بالصورة .
ومنذ عام أنشأ موقعه الالكتروني الشهير (( السقيلبية للتراث والفنون )) www.ghaith-.com
ثم أنشأ صفحته على موقع التواصل الاجتماعي الفيسبوك ، وكان من مهامه مد جسور التواصل بين السقيلبية وأبنائها في عوالم الاغتراب .
وأن المتتبع لأعماله الفنية تنجلي أمام عينيه اهتمامه بالبيئة التي التصق بها والتصقت به فاستلهمها في جل أعماله حيث صناعة أطباق القش والخبز والبيوت الطينية القديمة البضاء المطروشة بالكلس ، والتنور والمرأة ، وإنسان بيئته الشعبي في كافة مظاهره ، بزيه وحرفته الشعبية وصناعته الحصر والسلال ، وفي فلاحته بأرضه وحصاده وكل ما ينتمي إليه من فولكلوروعادات وتقاليد تشدنا إليها بحميمية التواصل وحنين مابعده حنين .
وقد قامت فعاليات أهلية من السقيلبية في الوطن والمهجر لتكريم غيث العبدالله ذاكرة السقيلبية بتاريخ /20 / نيسان / 2016 / م ، وقد تحدث الدكتور طلعت كاترين فقال : الآن حيث نحن ، حيث تتبعثر الهوية ، حيث تضيع المعالم في غياهب النار والخوف الذي زرعته الحرب القبيحة تنتابني رغبة قديمة جديدة . رغبة تنبت بالدرجة الأولى من شعوري الشخصي وشعور الكثيرين ممن بحثت الفكرة معهم تنبت من الشعور بواجب الوفاء لشخص استثنائي في بلدتنا , لشخص قلما يتكرر . صديق للجميع ، وفي مع الجميع . هنالك حيث الفرح تجده . حيث الأعياد تجده . حيث الحزن والألم  تجده . حيث الخضرة والربيع وحيث المطر والخريف . حيث النجاح والفشل . حيث الطفولة والشيخوخة . حيث الفن والشعر والرحلات . في الميلاد والفصح في الأضحى ورمضان . في عين الورد والتنور في كل مكان وكل زمان .في كل زاوية من ضيعتنا الحلوة . ضيعتنا المحفورة في وجداننا وذاكرتنا . إنه الأستاذ غيث العبدالله الغني عن التعريف . الأستاذ غيث الاستثنائي بكل ما تعنيه الكلمة من معنى . له الفضل الأكبر في حفظ هوية ضيعتنا التي نحب توثيقا ً بكل أبعاد هذا التعبير .
هنالك الآلاف من الموبايلات والحواسيب في شتى أصقاع الأرض تحمل السقيلبية بصورها . بتراثها . بهويتها . ولا أظن أحدنا لا يوافق أن الأستاذ غيث كان المنبع الأساس للسثيلبية توثيقيا ً في هذه الظروف التاريخية التي تعصف بالبلاد ، ومن منطلق حبنا لضيعتنا وعشقنا لها أتقدم بمقترح تقدير هذه القيمة الفنية والتراثية العظيمة في بلدتنا الأستاذ غيث العبدالله .
وقد كتب عنه الأكسرخوس الأب حنانيا عبدوش  ، والدكتور معروف رزوق والكاتبة الإعلامية ديانا جبور ، والمخرج السينمائي سمير ذكرى ، والفنان التشكيلي والضوئي والشاعر جورج عشي ، والمفكر اللبناني وحافظ متحف جبران في بشري وهيب كيروز ، والدكتور مروان مسلماني رئيس قسم التصوير الضوئي في المديرية العامة للآثار والمتاحف ، والدكتور محمود شاهين ، والفنان والباحث الجمالي السوري عبود سلمان ، والصحفي في جريدة الفداء الحموية محمد أحمد خبازي ، والنحات السوري المقيم في السويد الكسندر حداد ، والمفكر الباحث الأديب الأستاذ أديب قوندراق .
وكنت قد أجريت لقاء معه نشرته مجلة – الحرفيون – بدمشق في العدد (155 ) السنة السابعة عشرة – تشرين الأول عام 1995  م .
أجمل التهاني وأحلى باقات الزهور ، ورفيف الطيور ، ومواسم العطر تبارك مهرجان الوفاء لمن يتجسد في أصغريه الوفاء ، والذي صاغ الوقت أوسمة من سنابل القمح ، فبوركت الجهود ، وطوبى للمكرمين لأنهم عرفوا من يكرمون في زمن الضياع . زمن الغيوم الحبلى بالويل والنار .
ومن هذا كله – لعمري - ما أصدق الطبيعة عندما تكرم الغيث ! .

                                                        مفيد نبزو – محردة -

CONVERSATION

0 comments:

إرسال تعليق