سعد محمد موسى صفحة مشرقة في تأريخ الفن العراقي المعاصر

بيروت \ غفران حداد

حين أتأمل لوحات الفنان التشكيلي العراقي المغترب سعد محمد موسى يأخذني خيالي الى ألأعمال الجميلة للفنانين التشكيليين جواد سليم وفائق حسن حيث تلتمس النزعة التجريدية في أعماله  ويحاول تقديم إبداع لوني ومفرداتي يؤطر ضمن سياق موضوعي، مؤكدا على موازنة الكتل والعلاقات اللونية. عوالم سعد التجريدية تنقلك إلى فضاءات أكثر اتساعاً وألفةً،تعبيرية الظل من تجارب الفنان الأخيرة حيث التركيز على رمزية وتعبيرية الظل بمفاهيمه. إن الظل يحمل تعبيرية أكثر مما يحمله الجسد، فهو يعطي جمالا وحضورا للظل أكثر من الكتلة. الكتلة مستلبة من تفاصيلها وكأنها تقبع في الظل، لكن الضوء والحياة هما في الظل. - الجسد لم يكن بوسعه أن يجسد محتوياته وأبعاده بقدر ما يستطيع الظل. الكائنات المائية أيضا وهي تمخر أعماق المياه، وتمارس طقوسها في الرحم الأزرق، هي الأخرى تعود إلى الرحيل أو ترحل إلى العودة، مثلها مثل الموجودات الأرضية وتفاصيلها، وحتى الكائنات الماورائية سواء في مخيلاتنا أو سواء في الواقع اللامرئي، تعوم في دوائرها، تعود أو ترحل. كل هذه الهواجس تشكل الهم الرئيسي قي ذاكرة المنفي ذاكرة سعد  حيث نلاحظ  الحضور الزماني والبعد المكاني يتجليان في أعماله ، فهو يتقصى عميقا في الزمان كحركة ارتحالية تمتد أحيانا إلى ما قبل التاريخ، أو أحيانا تتجسد تلك المرحلة الزمانية في حضور آني معاصر، يوشح الموضوع الفني أيضا، حتى وإن كان غير مرتبط بالأطر الزمانية، ويبقى المشاهد في تساؤل عن زمن الحدث، أو حتى عن الغائبة الزمن هنالك زمن في أعمال الموسوي. تارة يجسد شخصية كلكمامش، هذا الإله الملك السومري.. قبل التاريخ في "رحلة الخلود" يحمل مسلاته ووصاياهباحثاً عن عشبة الخلود. وهناك أيضا الحضور المعاصر لـ "الزمن" وتحديث شخصي كلكامش. وهكذا نجد كلكامش مرة لاجئاً في مخيمات العراقيين الذين غادروا أوطانهم قسراً .. أو متحاوراً مع السكان الأصليين "الأبوريجينيز" يتأمل رموزهم ويستمع إلى موسيقاهم وتراتيلهم في أستراليا .. وأخرى نرى كلكامش غريبا في محطات وأنفاق لندن للبعد المكاني هنالك وشائج تربط الزمن كحركة مع الكتلة او مع المكان، انطلاقا من مفهوم وفلسفة "فن النحت" كعلاقة قائمة ما بين الكتلة والفضاء. الفنان يؤكد على التشخيص المكاني في أعماله، فالمكان إذن هو وحدة مكملة لا يمكن الاستغناء عنها في أغلب نتاجات الفنان. إن المكان هو جسد اللوحة والزمن تعبير عن الذاكرة والروح وباتحادهما يتجسد الوجود الفني،و في أعماله، لا يمكن أن نتجاهل موضوع الاغتراب دون أن نخوض في بعض التفاصيل العامة. بحساسية موضوعية تثير التساؤل، يطرح الفنان موضوع الاغتراب الجسدي بواسطة الشكل "الفكر" والظل, فنرى أشكالا عُتّمت ملامحها وهُمّشت أبعادها، وألغيت تفاصيلها الداخلية أيضا. ونشاهد في الجانب الآخر الظل ليس كما هو معتاد بل ظلا صارخا، يستشيط بانفعال واضح توشحه الرموز والصور والكتابات والألوان المفعمة بالتعبير. فالظل فضح ما ليس بوسع الجسد قوله، وكأن الشكل كان في الظل، والظل كان في الشكل. هذا التناقض يشكل دهشة يريد الفنان تجسيدها. فالقمع السياسي والاجتماعي للإنسان، الغربة، الفزع من معرفة أفكار محظورة، وتهميش الإنسان تحت وطأة أنظمة قاسية، تدعو الجسد لأن يتخلى عن حضوره الواضح ليختبيء في العتمة متيحا للظل أن يصورتفاصيل هذا الجسد المرئية، وهواجسه، وأحلامه. - الجانب الآخر لأعمال سعد الموسوي، يتسم بالتنوع والاختلاف، ففي نتاجاته سمة تثري إبداعاته بالدهشة والتجديد وعدم الوقوع بالتكرار لا سيما في الفترة الأخيرة. فهو يعالج العمل بتقنيات مختلفة، ويستعمل ألوانا صارخة تعتمد التناقض حيناً، أو ألوانا غامقة باردة تتداخل بهارمونية حيناً آخر، ويطرح مواضيع تتجاوز المحلية لتحاكي مفاهيم إنسانية واسعة. واللون لدى الموسوي فلسفة وتأمل وموازنة يستخدمه بدراية وبحساسية، دون التأكيد على الإثارة البصرية وحدها على حساب الاثارة التعبيرية بل هو يكرس حضور الحالتين في اللون .. الاثارة البصرية مع الاثارة التعبيرية معا، طرح الأسلوبية لدى الفنان سعد يبتعد تماما عن التكرار، والرتابة. الأسلوبية لدى الفنان صفة وبوسع المشاهد معرفة خصوصيات ومفردات وطرق المعالجة والجرأة في الطرح لدى الفنان دون التهاوي في التكرار والمحدودية. فإبداعاته ونتاجاته تعتمد على التجريب والحداثة المفعمة بالإثارة والتنوع

تقنيات العمل الفني لدى موسى. يستخدم المواد المختلفة إضافة إلى الألوان الزيتية والوان أخرى. كما يستخدم: التربة، الرمل، مخلفات بحرية جافة الغراء، صبغ الأكرايك،، مساحيق، البودرة، القهوة، الحناء، صفائح الألمنيوم "سيلفون"، قطع خشبية، اقمشة مختلفة الملمس، ومواد أخرى مختلفة. - يوظف الخط العربي، الرموز، الكتابات القديمة لينفذها بتقنية التكوينات البارزة، و فوق السطح أيضا يستخدم تقنيات التكوينات الغائرة بواسطة الحفر فوق السطح لإعطاء تكنيك فني متميز. - أسلوبية جديدة في الطرح وفي اللون وفي الموضوع، تتجلى في أعماله

يتميز الفنان سعد موسى باسلوب مغاير لكل الذين استلهموا الفنون العراقية القديمة وخاصة الفن السومري ، اقتبس روح الفن السومري. فالفن السومري احتفى بالحياة، وهدا مانراه واضحاً في التماثيل السومرية، إذ جعل الفن السومري الحياة مقدسة حيث كانت تماثيل الالهة السومرية تتميز بقدسية ومهابة وجلال ونجد هذه الروح في لوحات الفنان سعد ،كما نرى تنوع اساليبة، فلا نجده يستقر على اسلوب فني واحد بل هو يتنقل من اسلوب فني الى اسلوب فني اخر بانسيابية أخاذة وهذه الظاهرة – أي ظاهرة التنوع الاسلوبي- ناجمة عن قلق الفنان واحتدامه وروحه الهائمة في ملكوت الزمان والمكان. كل ذلك يجعله فناناً متنوع الاساليب, فالفنان الذي يكرر اسلوبه ماهو إلا فنان مشلول، فالحياة تملأها الحركة وكذلك الوجود.

 لقد عاش الفنان سعد محمد موسى آلام الغربة واكتوى بنارها، ولم يكن مختاراَ لغربته ومكان نفيه، بل لأنه لم يستطع تحمل السياسة الحمقاء للنظام السابق ولا المآسي التي عاشها الشعب العراقي ابان الفترة المظلمة السابقة. نجد الغربة وآلامها في لوحة تتكون من ثلاثة مقاطع، ويجسد المقطع الأول مأساة الفنان كلاجىء في مخيم النفي في الصحراء. و يمثل المقطع الثاني يمثل شخصا متهدما وهو الشخص المنفي وهناللك اشارة هدف قناص اسفل بطنه، اما المقطع الثالث، فكان يمثل شخصا متصحر الملامح إذ أن النفي محا ملامحه فاصبح أعمى وأصم وفاقداًَ للشم، فالإنسان العراقي شديد الحنين لوطنه العراق.. وماأشد آلامه في غربته ومنفاه القسري

يستعين الفنان سعد بذاكرتة لتجسيد الزمن. ويمتلك الفنان ذاكرة قوية حيث يتذكر طفولتة. كان طفلاً غريب الطباع والتفكير يختلف عن أقرانه في اعتقاد الناس العاديين، فعندما كان يلعب مع الاطفال، كان يحفر الارض ويبحث عن فخاريات قديمة او الواح او أختام اسطوانية، أي إنه كان يبحث عن جذوره الضاربة في العمق، بينما كان أصدقاؤة الأطفال يبحثون عن أشياء مثل الأسلاك النحاسية او الحديدية أو أشياء ألمنيومية أو قطع بلاستيكية كي يصنعوا من هذه الأشياء لعبهم الطفولية. فمنذ طفولتة كان يمتلك (( بذرة)) الفن فزرع هذه البذرة في أرض خصبة.. في بيئة تعلم فيها مزج الالوان وتكوين اللوحة بعناصرها المهمة , كالخط واللون والموضوع والتقنية فنبتت شجرة خضراء عملاقة اصطفت مع الاشجار الفنية الأخرى. و بالإضافة الى ذلك، فالفنان سعد يمتلك حساسية مرهفة ونفساً رقيقة تتأثر من أبسط الأحداث، مما جعله عاطفياً جداً، وقد انعكس ذلك في لوحاتة التي استمدت قوتها وديمومتها من شدة الألم الإنساني، ومن ذروة الفرح في أعراس الانسان.

لقد اهتم  بالظل والضوء، وهما من مقومات فن التصوير الفوتغرافي وفن الرسم الذي يجسد الاشكال الثلاثية الابعاد، لذلك نرى الظل يحدد الضوء وهما يحددان الشكل

لقد أضاف الفنان سعد محمد موسى بلوحاته الفنية إضافة كبيرة للفن التشكيلي العراقي بوأته مكانة رفيعة في هذا المجال وجعلتة يتلألأ تحت ضوء المجد الذي قلده به وطنه العراق.

 سعد محمد موسى في سطور

التولد مدينة الناصرية عام1962-

خريج أكاديمية الفنون الجميلة قسم الرسم بغداد 1990-

أقام معارض مشتركة  داخل العراق

غادر العراق 1991-

مكث بحدود اربعة سنوات ونصف في مخيم رفحاء الصحراوي في المملكة العربية السعودية .. أقام معرضه الاول المشترك مع مجموعة من الفنانيين في ظروف اللجوء القاسية فوق رواق الخيام في الصحراء . من علب السكائر والاوراق والاقمشة المتوفرة  .. ثم بعد استقرار المخيم وقدوم منظمة الامم المتحدة الى المخيم اخذ الفنان يقيم بمعارض جماعية داخل المخيم وفي العاصمة الرياض .

غادر المخيم لاجئاً الى استراليا عام 1995 .. أقام معارض مشتركة في بيرث التي تقع غرب استراليا.

ثم هاجر الى لندن . وبعدها رجع الى استراليا سنة 2000 ليعمل ويقيم في مدينة ملبورن . وتكرس نشاطه الفني أكثر بعد استقراره في تلك المدينة فأقام اكثر من خمسة عشر معارض مشتركة .. وخمسة معارض شخصية

يعمل ويقيم حاليا في مدينة ملبورن –استراليا ، متفرغ للرسم والكتابة

CONVERSATION

0 comments:

إرسال تعليق