حفل تابين لراهب كنعان الشاعر والمفكر الفلسطيني أحمد حسين


تقرير : شاكر فريد حسن ـ
اقيم يوم السبت ١٤ تشرين اول ٢٠١٧ في قاعة السرايا بحي عين ابراهيم ، حفل تأبين للشاعر والكاتب والمثقف والمفكر الراحل أحمد حسين ، ابن قرية مصمص في المثلث الفلسطيني ، حضره العديد من اهالي القرية والقرى المجاورة واسرة الشاعر واحبته وزملائة واصدقائة من مختلف انحاء البلاد .
افتتح الحفل بتلاوة من القرآن الكريم ، ثم بنشيد " موطن " ودقيقة صمت حداداً على الفقيد وتلاوة الفاتحة على روحه الطاهرة .
تولى عرافة الحفل الدكتور أحمد اغبارية عضو لجنة التأبين، فحيا الحضور ، وتحدث عن أحمد حسين الكنعاني الحالم ، فقال : " حين يروضه الشاعر ، ويسحبه الى حديقة شعره ، يتوقف الموت عن كونه غرفة مظلمة ومخيفة أو قدراً أخرس ، بل يغدو خياراً يلتقي به الشاعر بعد ان قال كلمته كاملة ، فيدنو منه واثقاً ومردداً " سأعبر الجسر بملابسي العادية بدون خوف سيكون المجبول أقل ألماً من جمال الحياة وقبحها . العدم هو الوجود الآخر في الفناء المجاور " . هذا أحمد حسبن ، وقصيدته تشبهه كثيراً ، فهي صلبة ومتمنعة كالقلاع ، ولا تفتح خزائنها لكل طارق أو عابر ، على أي منهما أن يتسلق السور العالي قبل أن يحظى بنشوة جمال واحدة . هذا أحمد حسين ، يأخذ نصوصه ، ولكنه لا يلقي بها في البحر هذه المرة ، بل يفرشها وينام في ظلالها الوارفة . ها هو في عناق ملحمي ينظم معلقته الكنعانية ويعيشها بكافة رموزها واستعاراتها دون أن يفسدها أي تأويل كثيرون من قبله عبروا الجسر ، لكن عبوره كان خاصاً ولافتاً . فمنذ أن أطل من شرفته الشعرية على المشهد الثقافي المحلي وهو المتميز والمتألق لم يغازل المرحلة ولم تغازله ، وعاش معها في نفي متبادل . عزف عن الأضواء المخاتلة ، واتخذ من الالتزام جرساٌ يقرعه للتائهين والضالين ، فغاب شخصه وحضر نصه الذي دشن فيه هويته " .
وكان أول المتكلمين  الأستاذ رجاء اغبارية القيادي في حركة " ابناء البلد " فتحدث عن أحمد حسين النص وليس الشخص ، وقدم قراءة في فكر وفلسفة المرحوم في القومية والوطنية والسياسة ، أو في الأدب السياسي من خلال اللقاءات والمقابلات وليس بعيداً عن  الشعر والشاعر أحمد حسين ، فقال : " لقد خاف أحمد حسين على القضية الفلسطينية ومصير الشعب الفلسطيني ...خاف من المشروع النقيض ، "مشروع الاسقاط " ( الصهيوني ) وخاف من مشروع " المتعاقدين " معه من أصحاب " المشروع الطفيلي " كما أسماه .
لقد خاف أحمد حسين على العروبة والقومية العربية الخالصة التي اعتبرها مصدر تطورنا الحضاري الذي تعرض الى عملية انحراف تاريخية من قبل ثقافة الهجريين .
ويضيف قائلاً : " مثل أحمد حسين مشروعاً دعوياً ، أدبياً ، سياسياً وشعرياً يتمحور حول القومية العربية والاشتراكية الماركسية ، فأقرأوه ثم اقرأوه ثم اقرأوه بالكامل ، فقد اكتشفت من جديد أحمد حسين المفكر والمنظر والكاتب والشاعر - الناقد المتمرد الذي لا يرحم !
ثم كانت الكلمة للمناضل والمفكر الفلسطيني عادل سمارة ، الذي تعذر عليه المشاركة في الحفل بسبب اجراءات الاحتلال ، فهرب كلمته بصوته عبر الشاشة وبدأ التأثر عليه وهو يتلو كلمته ، ويتحدث عن رفيق القلم والفكر ، فقال : "  عروبي أنت في عولمة الحروب على العرب ، زمن الطوابير التي باعت في زمن البيع والتطبيع ، فليس أحد من سيف قولك ، سيف وعيك .
ثمانون عاماً ولم يهتز ثمانون عاماً وهم يطمسون ما أتيت به . ليظهروا أدب البكاء ، أدب النحيب ، أدب النقود ، أدب التخارج والتغرين ، أدب رفع اليدين مقروناً بعري الكلام وعري الجسد .
أتذكر يوم قلت لك الصورة التي قلت لي ، ما إشقى عقلك ! 
متى غادرت حيفا ؟ بل لم تغادر ، أراك تغازل عينيها تقبل شفتيها ، التي واصل الله بعد اليوم السابع ابداعها ولم ينته بعد منها ، هي ثغر فلسطين على البحار العميقة والعميقة .
تضاحكها وتهزأ واياها بثغاء بيروت الذي يشوه أرض المقاومة ، باسم المقاومة ، يستجلب التطبيع استجلاباً أشد فحشاً من الاستيطان . 
أما الأب د. فوزي خوري من فسوطة فألقى كلمة مؤثرة ، تطرق خلالها الى علاقته الفكرية والشخصية بالراحل أحمد حسين ، ومما قاله : " ببالغ الحزن تلقيت نبأ وفاة الأستاذ العلم والشاعر الغاضب والأديب الصادق والمبدع أحمد حسين . لم أكن هنا لأشارك في وداعه وألقي النظرة الأخيرة على جسده الفاني ، فتبقى صورته الوحيدة في عيني وهو حي لأن امثاله لا يموتون الا في أجسادهم ويحيون دائماً  في مواقفهم .
هو ابن لهذه الأرض الحزينة وهذا الوطن الجريح وهذه الأمة التي فقدت بوصلتها . عاش حياته رافضاً الظلم لا يعرف المساومة ، ولا الحلول الجزئية فالوطن والحق ليسا موضع مساومة .
أتذكره في كل مواقف الشرف التي وقفها وحارب  لأجلها مقتنعاً أن الخسارة في هذا الميدان لا يمكن أن تكون الا مرحلية مهما طالت . تمتع بقوة ابداعية نادرة وبثقافة أصيلة وأصلية تنبع من القلوب الصادقة ولا تنتظر استجدائها من اي غريب .
ودعا عريف الحفل شقيق المرحوم أحمد حسين ، الاستاذ الشاعر كمال حسين لتجديد العهد بالسير على خطى شقيقيه أحمد وراشد ، فقرأ قصيدته " أحمد : الفارس اليتيم يترجل " نقطف منها : 
سقط أول الفرسان 
قبل أربعين عام 
احتضن الراية شامخة 
صاح : " أنا من رحمك يا كنعان " 
قبلها بين عينيها وقال : 
" أنت لي ! 
ترتعين من دمي 
تزهرين في فؤادي 
تثمرين على لساني 
سأكون سوط عذاب 
ستكونين لهفة 
ونبضة  
وعهدي لأول الفرسان 
لن أكون فارساً عادياً 
فأنا كما تعرفين 
لا يتسع للسعات غضبي 
أي ميدان 
لن أكون على منابر الفرسان 
أنا لا أحب الثرثرة 
ولا أجيد القعقعة 
ولا مناكفة الجوف من الزعران 
لن أكون على شاشات الأرجوان 
أنا أكره ما عندي
خرير منعم في ساحة السلطان 
سأكون دبوراً 
يقيم الطعن في مسامع العربان 
سأكون نمروداً يقض مضاجع السلطان .
وألقى الشاعر الكبير الاستاذ سعود الأسدي رثائيته  في أحمد حسين ، الصديق والأخ والأديب الأريب المبدع : 
نأيت عن الأهل يا أحمد 
                فهل دهرنا بعدكم يحمد 
وكنت المفكر كنت الأديب 
               وأنت لنا الشاعر الأوحد 
سليل العروبة وابن الذين 
              لهم كل امتنا تشهد 
فمن للعروبة من للشام 
               ومن للحمى بعدكم يولد 
أصابك ما قد أصبت به 
              ومن كان ناراً لا يحمد 
ومن كان عقلاً فلا يستكين 
              ومن كان صحواً فلا يرقد 
ومن كان بحراً فلا يستقر 
               ومن كان موجاً فلا يركد 
وثورة فكرك كانت لنا 
               مناراً عليها الورى تحسد 
وأنت المجلي بكل مجال 
              وأنت المعلم والمرشد .
أما رئيس اتحاد كتاب " الكرمل " الأستاذ الأديب فتحي فوراني ، فتكلم عن أحمد حسين الانسان المشاكس ، فاستحضر ذكرياته معه أيام الدراسة الثانوية في الناصرة ، ومما جاء في كلمته : " أحمد حسين كان أكثرنا تمرداً ، وأكثرنا عشقاً للمشاكسة ، وأكثرنا شغفاً لخوض البحار الهائجة . 
ومنذ البدايات المدرسية تظهر عبقرية أحمد في التمرد والمشاغبة والمشاكسة وروحه الصدامية . 
أحمد مشاكس متمرد عنيد لا يخشى في ما يراه حقاً لومة لائم . كان نطاحاً في الدفاع عن قناعاته ، ولم يأبه ، في التعبير عن رأيه ، في تأثير ذلك على علاقاته الاجتماعية بالآخرين وحتى بالمقربين من الاصدقاء . ولهذا قال أحد الأصدقاء على سبيل الدعابة : ان أحمد مبدع في خسارة الاصدقاء ، فقد تخندق في صومعته الأدبية على تلة من تلال مصمص ، وراح يطلق رصاص الكلمات على الأصنام وغيرهم من الكتاب والمبدعين وغيرهم من حملة الأقلام .خ كان يقول كلمته ويمشي ولم يكترث لما يقوله الآخرون ، ولسان حاله يقول : " أقول كلمتي ومن بعدي الطوفان " ، وذلك على عكس أخيه راشد الذي أبدع في تحويل الأعداء الى أصدقاء .
وكانت ايضاً كلمة للمحامي علي رافع ، فقال : 
" كان وفياً مخلصاً لمبادئه ، معتقداته وقناعاته التي لم يتراجع عنها يوماً ، بل ازدادت تلك القناعات أنه محق ومصيب ولو عارضه كثيرون واعتقدوا أن عليه أن يخفف من حدة هذه المواقف وأن يغير ويبدل في مبادئه وقناعاته . عرفناه شاعراً فذاً مبدعاً كتب أروع القصائد وأعمقها وأجرأها على الاطلاق ، احترم قلمه واحترم قارئه . فكتب ما يليق به وبنا ، شعراً قوياً جميلاً يحملنا الى فضاءات الابداع والتدبر والتفكير في  هذا ، وتحدث في الحفل كذلك المحامي وليد الفاهوم عن أحمد حسين الصديق والمفكر والشاعر والقصصي المميز ، فخاطبه قائلاً : " أيها الأديب الشاعر المربي لا أقول وداعاً كما لم أقل ذلك في الماضي لنواف عبد حسن جارك في الحياة والممات ، لا أقول ذلك لأنك باق في مصمص والمثلث وفلسطين وهذا العالم ولأنك كنت  وما زلت صافي الذهن في التزامك الوطني والقومي ، وكنت صريحاً عنيداً لا تساوم في القضايا الكبرى كحد السيف الدمشقي المشحوذ ، والقاطع الصارم ، صرامة الموقف الذي لا يتزحزح عن حقه والقلم الذي لا ينفذ حبره ! والذي مهما حملته يقول ازدني .
يا أيها الكنعاني الأصيل .. ما اصدقك ! 
وأنت تذوب بجسدك النحيل ، بشعرك المسترسل الطويل ووجهك الأسمر في سمرة أرض كنعان ، ما اجملك في قساوة ملامحك وطبعك الحاد كحد السيف ..! 
كما تحدث المناضل محمد كناعنة " أبو اسعد " أحد قيادات حركة " أبناء البلد " قائلاً في مستهل كلمته : " أيها العروبي المسجى هناك ، يا نبي الرفض السائر في لجة معركة المعاني غير آبه بضوضائهم ، ومن حولك سنابك خيولهم ترسم ملامح طريق آخر للمعركة ، هناك حيث " الفلاشا يحرثون الأرض " وأبناء عمومتهم يروون زرعهم عند مصب الوادي الذي ما عاد يتسع حتى لحجارته . هناك وهنا أنت تحمل بارودة الفكرة ووجع الالتزام يلازم مداد دواتك ، وفي سماء المغتصبة تحوم ألوان قوس قزج من غير أوان ، فتكفر بالألوان ولا تبهرك عناوين السياسة ، ولا فذلكات القادة ، ولا حملة ال" دال " في صدارة صفحات الجرائد الصفراء والحمراء والخضراء منها . ولا هرولة المطبلين " لعيون ريتا ".
أما المستشار التربوي مجدي محمد اغبارية فوصف علاقته الشخصية بالمرحوم أحمد حسين ، الذي كان معلماً له في البداية ثم جمعته به صداقة خاصة ، وكان يطلعه على كتاباته القصصية والأدبية .
هذا وتخلل الحفل تقديم عرض مسرحي للمثل الفحماوي قرمان قرمان مأخوذ عن قصة للمرحوم  أحمد حسين من مجموعته القصصية " الوجه والعجيرة " ، وقراءات شعرية من قصائد الشاعر الراحل قدمها ابن أخيه رأفت آمنه جمال ، بالاضافة الى كلمة شكر وقراءة تحيات وصلت حفل التأبين  ، منها كلمة علي احمد جبارين صاحب مكتبة الغفاري في ام الفحم ، الذي ربطته بالفقيد علاقة حميمية .
وتم ايضاً توزيع كتاب " راهب كنعان : السيرة والنص " وهو كلمات في تأبين فقيد الثقافة العربية أحمد حسين . 

CONVERSATION

0 comments:

إرسال تعليق